26 Feb 2012

أم العريس * قصه قصيرة


 "ام العريس"
                              **********                             
 

رفعت الام سماعه الهاتف الذي كان يرن باصرار وقالت" الو مين حضرتك ؟ ومن أين جئت بتليفون ابني عصام ؟ وأين هو ؟ "
صمتت الأم وتجمدت عينها علي شاشة التليفزيون الذي كان يعرض بعض الأخبار المحلية حيث جاء صوت المذيعة يقول
" عشرات قليلة من المتظاهرين في ميدان التحرير وقد تمكن رجال الشرطة والأمن المركزي بتفرقتهم والوضع مستقر الي الأن سنوافيكم بالمزيد من الأخبار عقب أحداث المسلسل التركي في تمام السابعة "
انتعشت مراكز الذاكرة عندها وتلاشي من حولها المكان والزمان  وقطع هذا الصمت والجمود صوت بكاء ملائكي لطفل لم تتجاوز خبراته في الحياة سويعات قليلة والكل يلتفون حوله يحاوطونه بجو مليء بالشوق وطول الانتظار يهنؤن انفسهم وسعادة غامرة علي كل الوجوه والكل يتنافس علي ملامحه وعواملها الوراثيه اهو اشبه بامه ام بابيه بغض النظر فقد صارت أما احتضنته بين ذراعيها وقد زال اثرالتعب عنها بمجرد رؤيته وضمته الي صدرها وشعرت بدقات قلبه لتعلن عن بداية حياة جديدة وهنا بدأ الأب والأم رحلتيهما في رعاية نبتهما التي غرساها في تربة المحبة وسقياها بدموع الحزن والفرح واعتنيا بها حتي بدا تعبهم يتحول الي حصاد حقيقي فكان عصام أول مولود للعائلة كان يهيم به الجميع تناقلت الأخبار عندما خطي عصام أولى خطواته وعند اول كلمة ماما قالها وعن أول يوم له في المدرسه وتوالت الأيام والسنون حتي صار البشمهندس عصام شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز الخامسة والعشرون شاب طموح بدأ حياته العملية بإنشاء شركه اتصالات صغيرة بالاشتراك مع بعض زملاء دراسته
ترددت الأم قبل أن تطرق باب غرفه عصام فقط سيطر عليها شعور غريب فحدثت نفسها بصوت غير واضح " خير اللهم اجعله خير " وطرقت الباب
 " عصام هل مازلت نائما ؟"
 انفتح الباب ودعا عصام امه بالدخول
" لا يا أمي تفضلي أنا علي وشك المغادرة "
قالت الأم " الي اين انهرده اجازة عيد الشرطه 25 يناير!!! "
ربت علي يديها في حنان قائلا " لا تقلقي يا ست الحبايب إنه نداء الواجب "
بدا علي وجهها الاستغراب وقالت " نداء الواجب !!! "
نظر لها في حنو واضح قائلا " نعم يا أمي فهي تناديني اسمع صوتها يستغيث فانا وروحي وكل ما املك فداء لها فانت وابي غرستي في كياني محبتها كيف اري بلدي وسكني يهان واسكت كيف اري حرمته تنتهك واصمت فالساكت عن الحق شيطان اخرس"
قالت الأم وبدا علي قسمات وجهها توتر واضح " في رعاية الله فالله خير الحافظين "
وودعت ابنها وتركته في معية الله لحظتها أحست ان جزءا منها انتزع وخفق قلبها بشدة وتهاوي بين اضلاعها ولكنها كانت علي قدر كبير من اليقين بأن الله معه وحافظ له وان حسن ظنها بالله يفوق كل شئ
اشرق وجهها الستيني الذي لا بأس من وجود بعض التجاعيد التي حفرت طريقها فيه مع الزمن وفي عينها دمعه كسرت جمودها وسماعه الهاتف مازالت بيديها قاطعتها عبير ابنتها الصغرى قائلة " امي في حاجه حصلت ؟ اسمحي لي " واخذت السماعه ولكن لا يوجد احد على الطرف الاخر هنا عاودت عبير السؤال " امي ماذا حدث ؟ "
بدات الام تهمهم بكلمات غير واضحه والقت بجسدها النحيل علي اقرب مقعد وقالت بصوت يرتعش يحمل نغمات الوداع " أراه الأن وجهه مضئ اكثر من عادته وهو يودعني ويقبلني قبلة الوداع اشعر بقبضته كاول يوم امسكت قبضته الصغيره اصبعي اري ابتسامته واسمع ضحكاته من بعيد ولكنه ليس بمفرده فهو مع صحبة الاخيار شباب مثله دعتهم ونادت عليهم ولم يتكاسلوا ولبوا النداء وتعالي صوتها وهي تغني
"اليوم يوم عرسك يا عصام  ... تزفك الملائكة الي الجنان
علي حور عين كاللؤلؤ والمرجان ... هبه وعطيه م الحنان المنان"
وسالت دموعها التي وجدت طرقا لها في ثنايا وقسمات وجهها كأودية جافه وفاض فيها سيلان وقالت " إن لله وإنا اليه راجعون امانتك يا ربي وقد عادت اليك فانت تعلم ان قلبي يتمزق اربابا علي فراقه ولكنه لا يغلو علي خالقه "
اختلط بداخلها مزيج عجيب من الاسي والفرح فهي ام اولا واخيرا فقدانها ابنها بمثابه انتزاع روحها وما اصعب الفراق واقساه علي قلب تحمل في ذاكرتها المسنه طرقات جانبية في كل طريق ذكري لابنها التي لم تفرح به بعد واحساس الفرح بانها ام الشهيد ام العريس شفيعها يوم اللقاء.